تعبر حالة الوعي عن التآثر بين وظيفتين عصبيتين رئيسيتين: الأولى هي مستوى اليقظة (أو الصحو) والثانية هي محتوى العقل والسلوك أثناء اليقظة. فدورة النوم - اليقظة دورة فيزيولوجية متكررة تعبر عن فاعلية خلقية عرقية سوية تنظمها تشكلات شبكية في مضيق الذماغ تمتد من أسفل الجسر حتى الناحية الأمامية الأنسية من المهاد. أما محتوى العقل والسلوك المتعلم فهما تظاهرتان لآليات أكثر تقيداً تتطلب للتعبير عنها صحواً ؟ وهما حصيلة عمل ملايين الخلايا- العصبية والخلايا الداعمة في المادة السنجابية من نصفي الكرة الدماغية واتصالاتها بالنوى تحت القشرية.
يبحث هذا الفصل تغيرات الوعي من نواء مختلفة، فيعالج أولاً المشاكل المتعلقة بالنوم السوي والاضطرابات الكثيرة التي تؤثر على النوم والتي من النادر أن تؤدي للعجز. ثم يطال هذا الفصل بالبحث مختلف التغيرات المرضية التي تطرأ على حالة الوعي والتي تشكل تهديداً للدماغ ولسلامة الشخص.
آ - النوم واضطراباته Sleep and lts Disorders
النوم هو انقطاع فيزيولوجي فعال في اليقظة تنظمه آليات مضيق الدماغ المستقلة Autonomic Mechanisms. ويختلف نمط النوم ومقداره كثيراً من شخص لآخر. فبعض الأشخاص الأصحاء ينامون 4 - 5ساعات في اليوم ويستيقظون نشيطين، بينما لا يستطيع آخرون العمل إذا لم يناموا 9 - 10 ساعات. وينقص الجهد المعتدل فترة ما قبل النوم ويزيد أيضاً في عمق النوم وطوله. ويؤازر القلق والانشغال والخمود والأدوية كالكافئين، والأحوال الجسدية كالحمى والألم والمرض القلبي الوعائي، تؤازر كلها في صعوبات النوم. وللأرق أو قلة النوم عدة مظاهر، فالمسنون ينامون أقل من الشبان ؛ ويشكو بعض الأرقين من طول فترة ما قبل النوم، بينما – يشكو غيرهم من الاستيقاظ في منتصف الليل أو الاستيقاظ المبكر صباحاً. وعلى الرغم من أن هذه الاختلافات الشائعة بين الناس تزعج بعضهم إلا أنها لا تحدث أذى فيزيولوجياً. وتشير الملاحظات العلمية عن الأرق إلى أن فترات النوم تدوم في الواقع أطول مما يعتقده الذين يشكون من الأرق، وأن ما يتذكرونه إنما هي الاستيقاظات. ولكن يبدو أن (الأرق الشديد) سواء نتج عن القلق أو الألم أو المرض أو عن مقتضيات العمل ينقص الفعالية العقلية.
وأفضل علاج للأرق العارض Insomnia هو التطمين مع محاولة تصحيح المشاكل الطبية والنفسية المسببة، والإقلال ما أمكن من المهدئات الخفيفة. وقد لا تسر هذه الطريقة الحذرة كل المرضى. ولكن معالجة الأرق المزمن شديدة الصعوبة لأن كل المنومات تؤدي في النهاية إلى التحمل والاعتياد. ويعالج الأرق الحاد الناتج عن مرض أو عن ألم فيزيائي أو انفعالي، أو عن تبدل وقت النوم بعد السفر بالطائرة أو غيرها، بجرعات صغيرة (0.25 مغ أو أقل من البنزوديازيبين تريازولام) وقت النوم. ويفضل أن يعطى المسنون أو المصابون بالحمى أو بمرض جهازي أدوية أخف كالبنادريل وهيدرات الكلورال أو الفلوروزبام. وإن إعطاء جرعة كاملة من مضادات الخمود الثلاثية الحلقة وقت النوم يساعد في تدبير أرق الخمود، أما الكحول فعلى الرغم من استعماله على نطاق واسع، إلا أنه مهدئ سئ فهو يقصر فترة ما قبل النوم ولكنه يقصر مدة النوم ذاته ويسبب آثاراً بغيضة عند الاستيقاظ ؛ ويؤدي غالباً للتحمل مما يضطر معه إذ زيادة الجرعة للحصول على التأثير المنوم.
وفرط النوم العارض Hypersomnia: قد يكون عرضاً لتعب شديد أو لخمود نفسي، أما في كل الحالات الأخرى فيجب أخذه بعين الاعتبار لأنه قد يعكس مرضاً دماغياً خطيراً. وفرط النوم المزمن أو المعاود عرض غالباً للسبخ (النوم الانتياي Narcolepsy) أو لإحدى متلازمات توقف النفس أثناء النوم.
السبخ (Narcolepsy): أو (النوم الانتيابي) وهو اضطراب مجهول السبب يتميز بنعاس معاود لا يمكن مقاومته.
ويبدأ عادة في أواخر العقد الثاني أو أوائل العقد الثالث ويترافق بعرض أو أكثر من الأعراض التالية:
1 - نوب فجائية من النوم لا يمكن مقاومتها مترافقة بحركة العينين السريعة.
2 – جمدة Cataplexy وهي إنهيار مفاجئ في توتر العضلات تحدث بالمفاجأة أو بالانفعال (بخبر محزن أو مفرح).
3 - أهلاس تحدث في أواخر النوم وقبيل الاستيقاظ.
4 - شلل النوم ؛ وهو شعور طاغٍ يجعل الشخص غير قادر على الحركة يحدث عند الاستيقاظ من النوم.
كل هذه المظاهر يمكن للشخص السوي أن يشعر بها لدرجة ما ؛ ولكنها تكون في النوم الانتيابي شديدة لدرجة تخل بالأعمال الاجتماعية والمهنية، أو تعرض المريض لوضعيات خطرة كأن ينام وهو يقود سيارته أو أثناء عمله. ويبدو أن الاستعداد للنوم الانتيابي موروث بخلة سائدة، وأن أكثر المصابين يحملون المستضد النسجي HLA – DR2 ؛ ويختلف التعبير السريري عنه كثيراً بين شخص وآخر. وسبب السبخ مجهول وإن كان يفترض وجوي عيب في النواقل العصبية المركزية. وللمعالجة قيمة محددوة وإن كانت المعالجة بالميتيل فينيدات Methyl Phenidat تساعد بعض المصابين. وفي الحالات المعندة يستفيد المرضى أحياناً من مثبطات خميرة المونوامين أكسيداز أو من مركبات الأمفيتامين الأخرى.
متلازمة كلاين – ليفين Klein - Levin Syndrome وهي حالة نادرة تصيب الصبيان اليفع وتتصف بأدوار عرضية من فرط النوم والنهم تدوم أياماً أو أسابيع. وتزول هذه الحالة عادة في البالغين.
ومن اضطرابات النوم الأخرى السلس الليل (تبليل الفراش)، والذعر الليلي، والأحلام المزعجة، والمشي أثناء النوم، والحكي أثناء النوم. وكل هذه الحالات تصيب الأطفال أكثر من البالغين ولم يثبت وجود صلة بينها وبين الاضطرابات النفسية.
وعلى الرغم من أن القلق والتوتر، أو المشاكل النفسية الأخرى تزيد في شدتها، إلا أنها قد لا تكون السبب فيها. وفي السلس يساعد إعطاء 25 – 50 مغ من الأيميبرامين Imipramine (وهو مضاد للخمود) قبل النوم في تحسين بعض الحالات. بينما تتحسن الاضطرابات الأخرى بإعطاء البنزروديازيبينات القصيرة الأمد عند النوم، وتتراجع معظم هذه الحالات أثناء اليفع وا لبلوغ.
ب - تبدلات الوعي المرضية Pathological AIterations of Consciousoess
يشكل تشخيص حالات اضطراب الوعي ومعرفة سببها الصحيح ومعالجتها السريعة تحدياً مهما للأطباء في كل فرع من فروع الطب. فبالإضافة إلى التسمم أو الغشي العارض، فإن كل اضطراب شامل، حاد أو تحت الحاد، في وظيفة الدماغ يتضمن تهديداً خطيراً لشخصية المريض، حالياً ومستقبلاً.
ويتطلب تقدير مستوى الوعي عند المريض فحصاً دقيقاً كثيراً من المعرفة والمحاكمة السليمة، لأن مستوى الوعي السري يشكل فيزيولوجيا سلسلة متصلة تمتد من الصحو التام والانتباه الذكي حتى حالات الانعزال النفسي المطلق واللا استجابة الكاملة. وبين هاتين النقطتين يقع عدد من تغيرات السلوك التي قد تكون سوية أو شاذة حسب ظروف الشخص. وتشمل هذه التغيرات الشرود والهيوجية واللا انتباه والذهول والتوهان الجزئي والتخليط، وقد يقلده أحياناً فرط النوم بعد حرمان طويل وصعوبة إيقاظ النائم.
يعدد الجدول 114 - 1 تبدلات الوعي الثابتة الطويلة الأكثر شيوعا في الطب.أما حالات فقد الوعي العابرة فقد ذكرت في الجدول 114 - 13.
أما التبدلات البؤرية المحدودة كالحبسة وفقد الإدراك الانتقائي أو عيوب التعلم النوعية فتعرف عادة بأسمائها الخاصة ولا تذكر مع حالات اضطراب الوعي.
الجدول 114 - 1 الوعي وتغيراته
تعاريف
الوعي Consciousness: حالة اليقظة الواعية وإدراك الذات والبيئة وقدرة الشخص على تجسيد سلوك متعلم ومتوقع.
السبات Coma: حالة شخص مغلق العينين غير قابل للإيقاظ وفافد لكل الاستجابات المتعلمة لأي تنبيه داخلي أو خارجي.
الذهول Stupor: حالة لا استجابة نفسية لا يستجيب فيها الشخص إلا بتنبيه خارجي قوي ومديد.
فرط النوم Hypersomnia: نوم يزيد مبدئياً عن النوم السوي بـ 25 – 30% أو أكثر. ومعظم فرط النوم المرضي يترافق بدرجة من الهتر أو بنقص القدرة العقلية.
الهتر Dilirium: حالة حادة أو تحت الحادة تتميز بنقص تخليطي في إدراك البيئة. وتضم أعراضه توهاناً جزئياً مع خلل الإدراك وضعف المحاكمة وهذياناً، وخطأً في تذكر الحوادث. ويصعب تمييز حالات التخليط المديدة عن المراحل الباكرة من الخرف المزمن. ويمكن أن تتشارك الانسمامات أو الأخماج بأشكال شديدة من الهتر، فيصبح المصابون بها ضائجين متململين ويشكون عادة من أهلاس بصرية. وقد تنتابهم حالات تشبه الحلم يفقدون فيها تعرفهم على ذاتهم ؛ كما قد تنعكس فيهم دورة النوم – اليقظة مترافقة بأدوار من الأرق او فرط النوم.
الحالة النباتية Vegetative state: وهي حالة تحدث في إصابات الرأس الشديدة ؛ تبقى فيها دورات النوم – اليقظة مستمرة (أو تعود بعد اضطرابها) ولكن يصبح الشخص دون عقل ؛ إذ يفقد كل ما يشبر إلى إدراكه لذاته أو لبيئته، ولكنه يحتفظ نسبياً بالحرارة والدوران منتظمين ؛ ويستطيع المضغ والبلع والتنفس ولكنه لايبدي تفاعلات استعرافية وتقتصر استجاباته السلوكية على منعكسات حركية ابتدائية أو أنماط انفعالية غريزية.
حالة الانغلاق Locked – in state: وهي حالة نادرة تصاب فيها السبل العصبية المحركة الصادرة، مؤقتاً أو نهائياً، فتمنع كل اتصال مع الخارج. وقد تبقى فيها حركات العينين فتسمح الإشارة بهما بالإجابة على الاسئلة أو على الحاجات الداخلية. ويحتفظ المصابون بوعيهم وإدراكهم لذاتهم وبيئتهم ولكنهم لا يستطيعون التعبير عنهما بسبب شلل وسائل الاتصال. وتتسبب هذه الحال عن انقطاع السبل القشرية الشوكية في مضيق الدماغ أو عن اعتلال الأعصاب المحركة الشديد. وتشبه هذه الحالة حالة المرضى الواعين الذين وضعت لهم أنابيب في الرغامى لدعم ا التنفس.
موت الدماغ Brain death: زوال جميع وظائف الدماغ الأساسية كاملاً ونهائياً على الرغم من استمرار فاعلية القلب والرئتين وغيرها من الأحشاء صنعياً (بواسطة الأجهزة) وقد اعتبرت هذه الحالة موتاً في معظم الولايات المتحدة وأوربا الغربية.
ويوفر الجدول 114 - 2 المعلومات التشخيصية الأساسية.
اضطرابات الوعي المديدة Sustained lmpairments of Normal Consciousness
تعرف اضطرابات الوعي المديدة بأنها تلك التي تدوم من ساعات إلى أيام أو أكثر وتتسبب عن: (1) انقطاع آليات اليقظة مرضياً في أعلى مضيق الدماغ أو (2) الاضطرابات العضوية التي
الجدول 14 - 2: معطيات تشخيص موت الدماغ
1 - أن تكون طبيعة السبات ومدته معروفتين
آ - وجود مرض بنيوي معروف أو سبب استقلابي جهازي لاعكوس.
ب - عدم احتمال وجود أي تسمم دوائي أو نقص في الحرارة ة عدم وجود قصة معالجة حديثة بأدوية شالة أو مركنة.
ج - إن زوال وظائف الدماغ لمدة ست ساعات كافية إذا كان هناك سبب بنيوى ولم تكن هناك معالجة دوائية أو تناول كحول وإلا فتدوم المشاهدة 12 – 24 ساعة مع سلبية النخل الدوائي.
2 - غياب وظيفة الدماغ ومضيق الدماغ.
آ - لاوجود لاستجابة انعكاسية أو سلوكية للمنبه الألمي فوق مستوى الثقبة العظمى.
ب - ثبات الحدقتين.
جـ – لا استجابات عينية – دهليزية بعد تقطير 50مل من الماء المثلج في الأذن.
د – توقف التنفس رغم إعطاء الأكسجين لمدة عشر دقائق.
هـ – قد يبقى الدوران الجهازي سليماً.
و - قد تبقى المنعكسات الشوكية موجودة.
3 - المعطيات الإضافية (1) (اختيارية) (أي منها مقبول).
آ - سواء كهربائي (EEG lsoelectric) لتخطيط كهربائية الدماغ لمدة 30 دقيقة والجهاز في أقصى طاقته.
ب - سلبية الاستجابات السمعية المحرضة التي تعكس غياب وظيفة بنى مضيق الدماغ الحيوية.
جـ – عدم وجود دوران بفحص جريان الدم الدماغي.
(1) قد تكون مفيدة في حالات نشوء خلاف طبي شرعي أو عند أخذ الأعضاء للاغتراس ولا سيما بعد فترة ست ساعات.
تصيب نواحي الدماغ المنظمة لوظيفة العقل والسلوك. وغالباً ما يشترك هذان النمطان التشريحيان معاً.
آليات السبات ومقاربة التشخيص Mechanisms of Coma and Approach to Diagnosis:
الاضطرابات التي يمكنها أن تؤذي الدماغ أذية واسعة أو استراتيجية وتوقف الوعي محدودة (الجدول 114 - 3) وتقع في ثلاثة

